الأربعاء، 14 أغسطس 2013

ارض بما قسم الله لك تكن اغنى الناس

مرَّ فيما سبق بعضُ معاني هذا السبب ؛ لكنني أبسطُهُ هنا ليُفهم أكثرَ وهو : أنَّ عليكَ أن تقْنع بما قُسِمَ لك من جسمٍ ومالٍ وولدٍ وسكنٍ وموهبةٍ ، وهذا منطقُ القرآن ﴿ فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ إنَّ غالبَ علماءِ السلفِ وأكثر الجيلِ الأولِ كانوا فقراء لم يكنْ لديهم أُعطياتٌ ولا مساكنُ بهيةٌ ، ولا مراكبُ ، ولا حشمٌ ، ومع ذلك أثْروُا الحياة وأسعدوا أنفسهم والإنسانية ، لأنهم وجّهوا ما آتاهمُ اللهُ من خيرٍ في سبيلِهِ الصحيحِ ، فَبُورِكَ لهم في أعمارِهم وأوقاتِهم ومواهبهم ، ويقابلُ هذا الصنفُ المباركُ مَلأٌ أُعطوا من الأموالِ والأولادِ والنعمِ ، فكانتْ سببَ شقائِهم وتعاستِهم ، لأنهم انحرفوا عن الفطرةِ السويَّةِ والمنهجِ الحقِّ وهذا برهانٌ ساطعٌ على أن الأشياءَ ليستْ كلَّ شيءٍ ، انظرْ إلى من حمل شهاداتٍ عالميَّةً لكنهُ نكرةٌ من النكراتِ في عطائهِ وفهمهِ وأثرهِ ، بينما آخرون عندهم علمٌ محدودٌ ، وقدْ جعلوا منه نهراً دافقاً بالنفعِ والإصلاحِ والعمارِ .

إن كنت تريدُ السعادةُ فارضَ بصورتِك التي ركبَّك اللهُ فيها ، وارض بوضعكِ الأسري ، وصوتِك ، ومستوى فهمِك ، ودخلِك ، بل إنَّ بعض المربّين الزهادِ يذهبون إلى أبعدِ من ذلك فيقولون لك : ارض بأقلَّ ممَّا أنت فيهِ ودون ما أنت عليهِ .

هاك قائمةً رائعةً مليئةً باللامعين الذين بخسوا حظوظهُمُ الدنيوية :

عطاءُ بنُ رباح عالمُ الدنيا في عهدهِ ، مولى أسودُ أفطسُ أشَلُّ مفلفلُ الشعرِ .

الأحنفُ بنُ قيس ، حليمُ العربِ قاطبةً ، نحيفُ الجِسْمِ ، أحْدَبُ الظهرِ ، أحنى الساقين ، ضعيفُ البنيةِ .

الأعمش محدِّثُ الدنيا ، من الموالي ، ضعيفُ البصرِ ، فقيرُ ذاتِ اليدِ ، ممزقُ الثيابِ ، رثُ الهيئةِ والمنزلِ .

بل الأنبياء الكرامُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم ، كلٌّ منهم رعى الغنَمَ ، وكان داودُ حَدَّاداً ، وزكريا نجاراً ، وإدريس خياطاً ، وهم صفوةُ الناسِ وخَيْرُ البشرِ .

إذاً فقيمتُك مواهبُك ، وعملُك الصالحُ ، ونفعُك ، وخلقك ، فلا تأس على ما فات من جمالٍ أو مالٍ أو عيالٍ ، وارض بقسمِة اللهِ ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .

0 التعليقات :

إرسال تعليق